الأدب العلاجي (bibliotherapy)، هو جمع بين كلمتين باليونانية ( Biblios) بمعنى الأدب، و(Theraby) بمعنى العلاج، ويعرّف الأدب العلاجي على أنه استخدام للأدب (عن طريق النص التفاعلي) وقدرته أن يكون قناة تواصل ما بين المعالِج والمعالَج.
مقالات ذات صلة:
يعود مفهوم العلاج بالأدب إلى 300 قبل الميلاد عندما كتبت على جدران المكتبات المصريّة الفرعونيّة القديمة وعلى مداخل المكتبات أنه يوجد بداخلها ما يشفي الروح، ومن ثم ارتبط المصطلح بالفيلسوف أرسطو، الذي اعتبر للأدب فوائد علاجية، وأن قراءة كتب الخيال هي وسيلة لعلاج المرض.
في أشكال الأدب العلاجي المبكرة، تم استخدامه في مستشفيات الأمراض النفسية كعلاج للمرضى العقليين. بحلول القرن العشرين، أنشئت المكتبات في العديد من مستشفيات الطب النفسي الأوروبية والأمريكية. قبيل نهاية الحرب العالمية الأولى، أصبحت المكتبات موجودة في العديد من المستشفيات لتطبيق الأدب العلاجي لدعم تزايد الطلب على علاج المحاربين العسكريين الذين يعانون من صدمة عاطفية.
بعدها جاء أول من صاغ مصطلح “الأدب العلاجي” لأول مرة في عام 1916 وهو صموئيل كراذرز وزير الحركة التوحيدية المسيحيّة، الذي آمن في وصف الكتب لمساعدة الناس على التعامل مع مشاكلهم. ومن ثم تبعته كارولين شرودز في عام 1950 وشرحت فعاليته بقدرته على أن يكون وسيلة للقراء للتماهي مع الشخصيات. بامكانهم أيضا التعرف على مشاكل شخصيّات النص وتبني حلول تخفف من ثقل المشاعر وآثار التجارب السلبية ويصبح بالإمكان التعامل مع المشاكل بعقلانيّة وموضوعيّة.
سيرورة العلاج تكون إما عن طريق قراءة القصص والكتب دون امكانية المبادرة لخلق حوارات ونقاشات حول المشكلة. أو عن طريق الأدب العلاجي التفاعلي حيث تكون القراءة المقترحة بمثابة محفز للمناقشة ومدخل لتفاعلات علاجية أخرى.
-
من المهم التمييز بين أنواع الأدب العلاجي، منها :
- الأدب العلاجي الإكلينيكي: والذي يتم تطبيقه بمساعدة المتخصصين المدربين الذين يتعاملون مع المشاكل العاطفيّة أو المشاكل السلوكية.
- الأدب العلاجي التنموي (التطويري) والذي يمكن تطبيقه من قبل الأخصائيين التربويين لتسهيل مراحل النضوج وتحقيق الذات. على سبيل المثال ، قد يواجه الأطفال والمراهقون تجارب صعبة بالنسبة لهم، مثل فقدان لعبة، عدم امكانية الحصول على ملابس تشبه ماركة الزملاء والأصدقاء في الصف، التأخر عن الدروس، أو خلاف مع صديق، وغيرها من المواقف التي يمكن أن تُعكر صفو الحالة المزاجية أو تسبب مشاعر اجهاد وتعب، يمكن للأدب العلاجي مساعدتهم التغلب على هذه التحديات اليومية والمواقف الصعبة من خلال إعطاء نموذج لتمرير مهارات فعالة لتقبل وتخطي المشكلات.
على سبيل المثال مشكلة التنمر الشائعة بين الطلاب يمكن معالجتها عن طريق الأدب العلاجي ومساعدة الطلاب التغلب على الاضطرابات ومشاعر الإحباط الذي تتبع تجارب التنمر، يمكن تخطيها عندما يتواصل الطلاب مع الشخصيات التي تعاني من مشاعر وتجارب مماثلة وفهم كيفية تعامل هذه الشخصيات معالتنمر، فمثلا الطالب أو الطفل الذي يتعرض للتنمر بسبب تحصيلاته العالية في موضوع معيّن. عند استخدام الأخصائي التربوي للكتب المصورة التي تعرض مشاكل التنمر، يتيح للطالب أو للطفل التماهي مع هذه الشخصيات وتبادل المشاعر ووعيه لما يتعرض له وامكانية التوجه للأخصائي التربوي فيما بعد للإستشارة أو التوجه للأهل ومشاركتهم.
يمكنكم ملاحظة الإمكانيات اللانهائية لتطبيق الأدب العلاجي في البيئة التربوية المدرسيّة كآلية لدمج الأدب العلاجي في جميع جوانب التنمية المجتمعيّة، لكن من المهم تدريب الأخصائي التربوي وفهمه لكيفية استخدام هذا النوع من العلاج وأنه من الممكن أن لا يكون فعالًا في كل الحالات.
-
من أهداف آليات الأدب العلاجي التنموي والتربوي من قبل اخصائيي التربية مع طلاب المرحلة الابتدائية، والاعدادية والثانوية :
- التشجيع على مناقشة ومعالجة مواضيع ترتكز على نقاشات صحيّة تفاعليّة وفرصة لإيصال قيم جديدة للطلاب.
- اظهار قصص وروايات والتي تعرض تبادلية المشاكل وأنهم ليسوا وحدهم من يعانون من مشكلة ما.
- اظهار أكثر من طريقة واحدة للتعامل مع مشاكلهم.
- مساعدة الطلاب في إيجاد حلول فعالة للمشاكل.
- توفير الفرص للطلاب للتعرف على هويتهم الذاتية.
- مساعدة الطلاب التخفيف من حدة التوتر العاطفي والعقلي.
- مساعدة الطلاب المحافظة على مشاعر وسلوكيات التقدير للذات.
- تزويد الطلاب بوسيلة لاستكشاف اهتمامات وتجارب وأشخاص جدد.
- تعزيز فهم الذات وفهم أكبر من الآخرين.
-
المراحل الأربعة التي يمر بها المعالَج عند تلقي الأدب العلاجي:
- التعاطف: حيث يتعاطف المعالَج مع شخصيات الرواية أو الكتاب، ويظهر هذا التعاطف خلال تفاعل المعالَج مع شخصيات القصة وأحداثها. من خلال الحوار بين المعالِج والمعالَج ووجود النص كوسيط بينهم. يشارك المعالَج مشاعره تجاه الأحداث والتصرفات عن طريق الكتابة، الرسم أو الكلام، حينها يتوجب على المعالِج توجيه الحوار والتدخل.
- الإنعكاس: تقبل وتبني سلوكيات الشخصية أو رفضها. فهو بذلك يحاور نفسه بشكل غير مباشر، يتحدّث عن نفسه بصورة غير مباشرة كمن يقوم بتقييم تصرفه في مواقف مشابهة.
- التخفيف من العواطف والمشاعر: التفاعل مع مجريات القصة وسلوكيات الشخصية. يدفع هذا مشاعر المعالَج لمنطقة العقل الواعي، مما يخفّف الضغط النفسيّ لديه.
- اكتساب وعي وإدراك شمولي، يتعرف المعالج على أفكاره ومشاعره ومبادئه، يتفهم ويفهم احتياجاته ومشاكله السلوكية والعاطفية. يتقبل تصرفاته وتصرفات الأخرين ويقوم بدعمهم، ويحلل الدوافع ما وراء هذه التصرفات.
الجزء الأهم لنجاح الأدب العلاجي، هو اختيار قصص وروايات مناسبة للعلاج من أجل توفير تجربة إيجابية للمعالَج، فيجب على المعالِج اختيار قصة ذات معنى شخصي للمعالَج. يجب أن تكون القصص المستخدمة في الأدب العلاجي عابرة لغرض التسليّة، وتعزز من مهارات التأقلم والتكيّف وتقديم الدعم. لهذا من المهم مناقشة اختيارات الكتب مع المعالَج وملائمتها لاحتياجاته وعلى دراية بشخصية المعالَج وخلفيته من ناحية اللغة والعرق والحالة الاجتماعية والاقتصادية والمعتقدات الدينية والثقافية.
استذكر مقولة تلخص أهمية الأدب العلاجي وحقيقة إمكانية أن يكون أفضل وسيلة تلجأ اليها لتقديم رؤية أعمق لأفكارك ومفاهيمك وعواطفك (في حال ملائمتك لهذا النوع من العلاج). فيقول الكاتب فرانز كافكا أنه على الكتاب أن يكون الفأس التي تكسر البحر المتجمد فينا.
تعليق واحد
I want you to thank for your time of this wonderful read!!! I definately enjoy every little bit of it and I have you bookmarked to check out new stuff of your blog a must read blog!