ربما قد تنبأت يوما بحدوث شيءٍ ما وبالفعل حدث، أو توقعت تصرفا معين من شخص ما وبالفعل كنت محقا بما توقعت! هل تعلم أنّ لهذا تفسير علمي؟ فما تفسير ذلك علميا؟ وهل له تأثير علينا وعلى علاقاتنا وتوقعاتنا للأحداث؟
وجد علماء النفس دليلًا قويًا على تأثير معتقداتنا وتوقعاتنا على النتائج، خاصة عندما نكون مقتنعين بأن توقعاتنا ستظهر لا محالة. ففي حال كنا نؤمن بشيء ما عن أنفسنا. فمن الأرجح أن نتصرف بطرق تتوافق مع معتقداتنا، وبالتالي تعزيز معتقداتنا وتشجيع السلوك نفسه. وبالمثل، عندما نؤمن بشيء ما عن الآخرين، قد نتصرف بطرق تشجعهم على تأكيد افتراضاتنا، وبالتالي تعزيز معتقداتنا عنها.
وكما قال هنري فورد: “سواء كنت تعتقد أنك تستطيع أو تعتقد أنك لا تستطيع ذلك، فأنت على حق”. لذلك علينا أن نكون حذرين من أفكارنا لأنها تؤثر على نهج حياتنا.
ما هي النبوءة المحققة لذاتها؟
النبوءة المحققة لذاتها هي الاعتقاد أو التوقع الذي يحمله الفرد حول حدث مستقبلي يتجلى لأن الفرد يحمله (العلاج الجيد ، 2015). على سبيل المثال، إذا استيقظت وفكرت على الفور – ربما بدون سبب معين على الإطلاق – أن اليوم سيكون يومًا فظيعًا ، فقد يجعل موقف تنبؤاتك حقيقة. قد تعمل دون وعي لتأكيد إيمانك من خلال تجاهل الإيجابي وتضخيم السلبي.
هل هناك تأثير للنبوءة المحققة لذاتها على العلاقات الإنسانية؟
إن النبوءة المحققة لذاتها يمكن أن يكون لها تأثيرات عميقة على العلاقات الإنسانية بشكل عام، ويتم إحداث هذه الآثار أو تعزيزها بالطرق التي نتواصل بها مع بعضنا البعض. فعندما نحمل معتقدات أو توقعات داخلية أو نتنبأ بشخص ما، فإننا نتصرف في الغالب تجاهه بطريقة تتفق مع تلك المعتقدات والتوقعات.
فعلى سبيل المثال ” إذا قيل لنا أن شخصًا ما نحن بصدد مقابلته هو شخص رائع وذو شخصية متألقة. فإن التصور المسبق سيكون ممزوج بدافعية عالية لمقابلته وأن الحديث معه سيكون شيّق وأننا لن نشعر بالوقت.
وعند حدوث اللقاء فعلاً سيشعر الشخص المقابل باهتمامنا به وبأسلوبنا الودود واللطيف معه. وعلى الأرجح سيقابل هذا الاهتمام باهتمامٍ مشابه ويعطي إجابات كاملة وجذابة على أسئلتنا. وبالتالي سلوكه نتج عن أفعالنا المسبوقة بالتصورات الذاتية عنه “.
ويمكن ملاحظة هذه الظاهرة أيضاً في كيفية تشكيل الصور النمطية عن الآخرين، حيث ممكن أن يتم إخبارنا بمعلومات عن سلوكات أو صفات أشخاص من مجموعة معينة ” من دولة أو عرق معين، أو عائلة ….”. ومن ثم نشكّل افتراضًا ونعممه عن جميع الأشخاص الذين ينتمون لتلك المجموعة.
وبالتالي عندما نقابل شخص من تلك المجموعة، من المحتمل أن نعامله كشخص يتصرف وفقًا للافتراض الذي تم تكوينه مسبقاً. ويمكن أن يكون الأمر خطيرًا ومؤذياً. كمسألة اجتماعية مليئة بالتحيّز والتمييز لمجموعة دون أخرى.
هل نظرتنا الإيجابية للآخرين ستعزز من سلوكياتهم الإيجابية وتحقيق النجاح؟
وعلى الصعيد المقابل سواء بتعاملنا مع أطفالنا أو ببيئة العمل، أو ببيئة الدراسة فإنه كلما تم التعامل مع المحيطين بأنهم يعملون بجد وقادرون على العمل والإنجاز. فهم سيكونون أكثر ميلًا إلى العمل الجاد والإيمان بقدراتهم الخاصة.
وبالمقابل، عندما يتم التعامل معهم على أنهم غير قادرين على تحقيق الأهداف، فمن الأرجح أن يتصرفوا بطريقة تجعلهم يشكوا في ذكائهم ويحتفظوا بأفكارهم الأعمق لأنفسهم، ولا يشعرون بقيمة الإنجاز لأن التصور قائم سواء بذلوا جهد أم لا.
ليس من الصعب إدراك آلية عمل تلك المعتقدات أو التصورات المسبقة وأثرها، لأن الأمور بكل بساطة تتم من خلال دورة معينة تبدأ بالإيمان بمجموعة من المعتقدات عن أنفسنا؛ وتؤثر هذه المعتقدات على تصرفاتنا تجاه الآخرين وبالتالي فإن تصرفاتنا التي تشكلها معتقداتنا عنهم، تؤثر على معتقداتهم عنا؛ ومعتقداتهم تجعلهم يتصرفون بطرق تتفق مع تلك المعتقدات نحونا، مما يُعزز معتقداتنا الأولية عن أنفسنا.
ولا غرابة نتيجة ذلك بأن هنالك أشخاص يتابعون توقعات أبراجهم بشكل دقيق، وسبب ذلك أن صدق الاعتقاد بما يتنبأ به برجهم سيجعله واقع حقيقي بالنسبة لهم .
ومن أجل ذلك كله لا بد من التفكير كثيراً بما نؤمن من معتقدات وأفكار عن أنفسنا أو عن الآخرين:
- كيف سأجد نتيجة مرضية من الناحية الأكاديمية لطفلي في ظل وجود اعتقادي بأنه لا يستطيع، غاب الإيمان بقدراته، فهل نعتقد انه لن تغيب الفرصة بالحصول على نتيجة جيدة؟!”
- كيف سيتوقع المدير من الموظفين أنهم سينجزون العمل على أكمل وجه، وبداخله قناعة بأنهم لا يستطيعون إنجاز المهام بالشكل المطلوب مهما فعلوا؟
- وكيف للزوجة أن تتأكد من حب زوجها لها وحدها ، على الرغم من تأكيده لذلك، طالما تشعر بأنه سيحب غيرها يوماً ما؟
نقاط يجب أخذها بعين الاعتبار عند الحديث عن النبوءة المحققة لذاتها
- أننا عندما نتكلم عن النبوءة المحققة لذاتها فإننا نتكلم عن معتقدات وليس حقائق أو قدرات فعلية لنا أو للآخرين. نحن نتكلم فقط عن اعتقاد ونتيجة ذلك قد يتوافق الواقع فعلاً مع هذا الإعتقاد.
- أن تكون الإعتقادات أو التصورات منطقية وعقلانية دون مبالغة. فنحن نعيش على أرض الواقع وليس بالمدينة الفاضلة، ودون تبسيط زائد فالخير ما زال موجود فينا وبالآخرين.
التأثير الايجابي للنبوءة المحققة لذاتها على الصحة النفسية
حيث أنه ونتيجة المعتقدات الإيجابية يكون تقدير الشخص لذاته مرتفع ويتبنى مفهوم ذات إيجابي، ويتواصل بشكل توكيدي مع الآخرين. ويتعامل مع الإحباطات بشكل مرن لأنه يحاول دوماً الوصول إلى أهدافه كونه يحمل اعتقادات بأنه قادر، وتكون صحته النفسية بمستوى ملائم لاحتياجاته.
التأثير السلبي للنبوءة المحققة لذاتها على الصحة النفسية
يظهر هذا التأثير بشكل واضح بدءا من مفهومنا حول ذواتنا وانتهاءا بالاضطرابات النفسية، فقد يملك الشخص قدرات معينة لكنه مع ذلك ينكرها ويكون غير واثق منها، كونه اعتقاداته عن نفسه ” أنه فاشل، أو غير محبوب، أو غير جدير بمشاعر من حوله …..”. مما يؤدي إلى تقدير ذات متدني وعدم وجود ثقة بالنفس، وتكون زاوية النظر لديه متمركزه حول الشيء السلبي متجاهلاً كل ماهو إيجابي. وبالطبع مع استمرار ذلك فإن تواصله سيكون سلبياً مع الآخرين أو عدواني، وسيكون عُرضة لاضطرابات نفسية متعددة كالقلق والاكتئاب.
لذلك من الضروري الإنتباه لما نفكر به ولتصوراتنا واعتقاداتنا المسبقة عن أنفسنا أو الآخرين، لأن لها تأثير على طريقة تعاملنا والنهج الذي نتبعه. مما يساعد الآخرين على التصرف بطريقة تتوافق مع معتقداتنا وتساعدنا نحن أنفسنا على التصرف مع أحداث حياتنا وفقاً لها،
علماً أنه بالوقت الحالي أصبح هنالك ما يسمى “بقانون الجذب” وهو مرتبط ارتباطاً وثيقاُ بالنبوءة المحققة لذاتها حيث أن الأشياء تحدث بناءاً على جذب اعتقاداتنا وأفكارنا لها.