الذكريات الكاذبة مفهوم قديم وحديث “بنفس الوقت”، قديم من حيث وجوده والتجارب المترتبة عليه، وحديث من حيث عدم معرفة الجميع به. الكثير منا يحمل في جعبته ذكريات يطول الحديث عنها. منها التي تدخل القلب بشوق وحنين وتُشعرنا بسعادة ونشوة، ومنها ما يُؤلم ويوجع. وبالتالي فإن ذكرياتنا تعيش معنا، فهي إما تُلهمنا لأشياء أو تساعدنا بالإبتعاد عن أشياء.
يتضمن هذا المفهوم ذكريات لأحداث ربما تعرضت للتشويه أو لم تحدث أبداً، وهي تعتبر ظاهرة نفسية تجعل من تذكر أشياء لم تحدث “واقع” لدى الشخص. وهذا الشيء دون قصد منه، قد تكون جزئية، أو كلية فتبدو كذكريات منتظمة. فتجد أحدهم يصف لك حدث ما بأدق تفاصيله أو ببعضه لكنه فعلياً حدث لم يختبره، وقد يقوم الشخص بالإعتراف بأنه قام بعمل ما مخالف للقانون أو النظام وهو لم يقم به لكنه يؤكد ذلك من خلال ذكرياته. وقد يشعر بالذنب ويصف المشاعر المرافقة لما قام به. هذه الأشياء لم تحدث عبثاً وقام العلماء بدراسة هذه الظاهرة ومحاولة تفسيرها وأسبابها.
كيف يعمل الدماغ عند استعادة الذكريات الكاذبة
إن آلية ابتكار الدماغ للذكريات الكاذبة غير واضحة. إلا أن هذه الذكريات يقوم بتسجيلها الدماغ بما فيها من صور وأحداث وتفاصيل كحقيقة. حيث أنه كلما زادت التفاصيل المرئية “البصرية” للذاكرة زادت احتمالية تذكرها على أنها حقيقة. فالذكريات لا تعمل مثل كاميرا الفيديو التي تسجل كل التفاصيل المرافقة بل هي تعتبر عملية إعادة بناء للأحداث.
أمثلة على الذاكرة الكاذبة:
- قد يكون لديك ذكرى كلية بأنك تعرضت للضياع وأنت صغير بأحد الأسواق ثم تم إيجادك من قبل الشرطة وتسليمك لأهلك، وهي بالفعل لم تحدث.
- قد يكون لديك ذكرى جزئية بأنك وضعت الكتب قبل خروجك بالحقيبة وتكون لديك ذاكرة بصرية توحي لك بأنك فعلاً وضعتها، وتتفاجا عند وصولك للعمل بأنها غير موجودة بالحقيبة.
الفرق بين “الذكريات الكاذبة “و”متلازمة الذاكرة الكاذبة”
تم تحديد متلازمة الذاكرة الكاذبة كمفهوم من قبل جمعية الطب النفسي الأمريكية (APA) حيث يشير إلى مفهوم أكبر وأوسع من الذكريات الكاذبة التي قد يصاب بها الفرد. فهو مصطلح يشير إلى حالة تجعل الشخص وحياته وعلاقاته متمحورة حول ذكرى كاذبة، ويكون لديه إيمان شديد بها.
مما يؤثر على شخصيته ونمط حياته، والسلوك التكيفي لديه ويتبنى الشخص نمط تجنبي لأي مواجهة بأي دليل ضدها، وتترافق هذه المتلازمة مع عدد من الاضطرابات النفسية، إلا انها لا تعتبر اضطراب نفسي بحد ذاته.
ولم يتم تضمينها في DSM-5 أو ICD-10 خاصة أن بعض الذكريات الكاذبة ارتبطت بحالات اعتداء أو استغلال جنسي أو مرتبطة بأحداث صادمة. مما يجعل الشخص وكنوع من ميكانزمات الدفاع يقوم بتزييفها أو يتذكر جزء منها وليس كافة التفاصيل.
بينما الذكريات الكاذبة لا تؤثر بشكل كبير على حياة الشخص وميوله وحياته اليومية. هي مجرد ذكرى لكنها غير صحيحة. وعلى كل الأحوال من الصعب التمييز بين الذكريات الكاذبة والذكريات الحقيقية إلا بوجود أدلة مؤيدة لها أو ضدها.
بعض العوامل المرتبطة بنشوء الذكريات الكاذبة
1. التضليل والمصادرة المتعددة للمعلومات
من خلال الحصول على معلومات من عدة مصادر مما يؤدي إلى الخلط فيخرج الشخص بمعلومات مضللة غير صحيحة أو دمج معلومات مرتبطة بحدث معين إلى معلومات مرتبطة بحدث آخر وتكوين صورة واحدة غير واقعية.
2. اللغة المستخدمة
المصطلحات المستخدمة مع الآخرين تؤثر على آلية استقبال المعلومات لديهم مثلاً قد يسأل أحدهم الآخر ما الذي شاهدته عندما اشتد المطر؟ “سيقول بدأ السيل بالتشكل وكان هنالك رعد… “وقد يتم تغيير الكلمة من اشتد إلى نزل “ما الذي شاهدته عندما نزل؟ ” قد يقول كان المطر لطيفاً برغم غزارته “. حتى أن بعض التجارب التي أُجريت أثبتت تاثير “ال التعريف ” عند اضافتها للكلمة على مسامع الآخرين وتكوين صورة قد لا تكون صحيحة للحدث.
3. الاقتراحات، أو توجيه الشخص للتفكير بطريقة ما
وهنا يصبح للإيحاء أثر بتوجيه التفكير نحو زوايا معينة، مما يحصر تفكير الشخص بتفاصيل دون أخرى فتتكون معلومات لحدث ما غير صحيحة.
4. وجود مشاكل أو اضطرابات نفسية
بما في ذلك الاكتئاب الشديد والقلق واضطراب السلوك وإساءة استخدام المواد والسلوكيات الإنتحارية واضطرابات الأكل.
5. الإدراك غير الدقيق للأحداث
وهذا بالطبع يعتمد على الشخص نفسه ومدى قدرته على إدراك الأحداث بصورتها الصحيحة ومعدل ذكاءه.
6. بعض التقنيات المستخدمة بالعلاج النفسي
كالتنويم المغناطيسي والتأمل الموجه والأسئلة الإستقصائية حول حدث صادم، مما قد يؤدي إلى التشويش لدى الشخص بفصل الأحداث الخيالية عن الواقع. وهذا يعتمد على مهارة الاخصائي المعالج والوضع النفسي للعميل.
7. الذكريات الكاذبة الجماعية
هنالك بعض العوامل التي قد تؤثر على مجموعة أشخاص وليس شخص واحد فيما يتعلق بالذكريات، بحيث تؤدي إلى تشكيل ذكريات غير صحيحة، عبر التعزيز الإجتماعي أو نشر الصور المضللة، أو تقارير اخبارية غير واقعية، أو التأثير المرتبط بوسائل التواصل الاجتماعي.
حيث يؤدي ذلك إلى تكوين ذكريات تستند إليها كأدلة وهي بالحقيقة كاذبة وغير واقعية. وعليه تحدث كثير من حالات سوء الفهم لدى مجموعات من الناس نتيجة لما يسمى ب”الحقائق البديلة” علما أنها ليست حقائق بل ذكريات كاذبة.
كيف تقي نفسك من الذكريات الكاذبة؟
- التحقق دوماً من وجود أدلة تؤيدها أم لا.
- وجود نمط حياة صحي يوفر لنا الاستعداد الجسدي الملائم للتفكير المنطقي وعدم التشويش “كالاسترخاء والغذاء الصحي والنوم الكافي وممارسة هوايات وأنشطة محببة “.
- مراجعة الاخصائي النفسي عند وجود تأثير قوي لذكرياتنا على نواحي حياتنا وعدم قدرتنا على التكيف.