من المقولات الشهيرة “الهشاشة النفسية تجعلنا إنسانيين، ففي ضعفنا نبحث عن قوتنا وفي تلك اللحظات نتعلم أعمق دروس الحياة”. فالهشاشة النفسية لا تدل على الصحة النفسية، فعليك أن تكون أكثر وعيا أنه إذا كانت أحساسيك لا تجلب لك إلاّ التعاسة والمعاناة وانعدام الثقة وعدم التحكم في مجريات حياتك ففي هذه الحال أنت هش ولست حساس.
هل تتعرض مؤخرا لضغوط تمنعك من العيش بطريقة كما المعتاد؟ هل تشعر أن كل يوم لك فيه تحديات؟ إن فهم طبيعة الهشاشة النفسية وعواملها المؤثرة يمكن أن يساهم في تطوير استراتيجيات للتعامل معها وتجاوزها. في هذا المقال، سنستكشف أسباب الهشاشة النفسية، آثارها على الصحة النفسية، وسنقدم نصائح عملية للتعامل مع ضغوط الحياة بشكل يعزز من مرونة الفرد النفسية وقدرته على التكيف مع التحديات.
ما هي الهشاشة النفسية؟
تعتبر الهشاشة النفسية من الظواهر النفسية المعاصرة التي تعيشها مجتمعاتنا في عصر يتسم بتزايد وتيرة الحياة وتعقيداتها. إن تفاعل الفرد مع تحديات الحياة اليومية، سواء كانت تتعلق بالعمل، العلاقات الاجتماعية، الاقتصاد، أو غيرها، يمكن أن يؤدي إلى تجربة مشاعر الضغط النفسي. وبينما يمكن للضغوط أن تكون حافزًا للنمو والتطور، إلا أن التعرض المستمر لضغوط نفسية قوية قد يؤدي في بعض الأحيان إلى ظاهرة الهشاشة النفسية. اقرأ أيضا كيف تكتسب المرونة النفسية؟ سلاحك لمواجهة مصاعب الحياة
كيف أعرف أني أعاني هشاشة نفسية؟
عندما تعاني من عدم فهم المشاعر السلبية مثل الحزن أو الغضب أو الإحباط. وعندما تعاني من تكرار هذه المشاعر دون أن تعرف السبب الحقيقي وراءها. وكذلك الشعور بالفراغ الدائم.
كذلك الشعور بأنك غير قادرة على احتواء المشاكل البسيطة وتشعر بالضغط من أقل اختلاف في الرأي أو اقتراحات تعارض أفكارك، كذلك عندما تكون غير قادر على تقبل مشاعر الإحباط، وعندما تكون غير قادر على التحكم بحياتك وتشعر أن الدنيا تتهاوى عليك.
ما هي أسباب الهشاشة النفسية؟
من المعلوم أنه مع التقدم التكنولوجي في عالمنا اليوم ازدادت نسبة القلق والتوتر والأمراض النفسية بشكل عام. ومن الطبيعي أن تزداد نسبة الأشخاص المصابين بالهشاشة النفسية.
ومع تطور النوع البشري زاد احتياجنا لتعلم العديد من المهارات. فنرى الآباء يقدمون لأبنائهم أفضل وسائل التعليم للحصول على أفضل الدرجات العلمية لكن مع الأسف نرى أن القليل من الآباء يركزون على تعليم أبنائهم التعامل مع مختلف المشاعر واحتوائها.
كما أن سعي الآباء دائما لتقديم الأفضل يحجب عن الأبناء مشاعر الفشل. فالآباء دائما يشجعون أبنائهم ليكونوا الأفضل في كل شيء. وإذا حدث ولم يكن الأبناء عند حسن ظن آبائهم فإن الأبناء سيواجهون بعدم القبول والرفض من طرف آبائهم. وهكذا يتعلم الأبناء أن الفشل نهاية الطريق! فكم شاهدنا حالات انتحار من شباب في عمر الورد فقط لأنهم لم ينجحوا في دراستهم!
كما أن مدح الطفل بشكل دائم يعد أيضا عاملا في تكوين شخصية هشة نفسيا. فيكبر الطفل وهو يعتقد أنه شخص استثنائي ولديه قدرات خارقة وعندما يصطدم بالمجتمع ويرى أن الكثير ممن حوله أجمل وأذكى وأمهر منه بالكثير من الأمور سيصاب بخيبة أمل وسيقل تقديره لذاته. الأمر الذي يجعله هشا نفسيا.
كيف أصبح أقوى نفسيا واتخلص من الهشاشة النفسية؟
1. لا تثق بأفكارك بشكل مطلق
فمثلما تخلتف قوة ثقتنا بالناس من حولنا، فنثق بالأم والأب والزوج بشكل كبير بينما نثق بالأصدقاء وزملاء العمل بشكل أقل ونكاد لا نثق أبدا بالغرباء. عليك أن لا تثق دائما بأفكارك.
تعلم التشكيك بأفكارك. مثلا: لم يلق عليك زميلتك التحية، فتبدأ الأفكار تتوارد على ذهنك بأنك قد قلت شيئا سيئا لها أو أنها تكرهك والكثير من الأفكار التي تحمل هذا التوجه. ضع هذه الأفكار كلها موضع الشك وحاول تحليل الموقف من طرف آخر، هل يمكن أنها ألقت التحية وأنا لم أنتبه؟ هل يمكن أن زميلي كان مشغول البال لدرجة أنه لم ينتبه لوجودي؟
إذن فكرة أن زميلك لم يلق عليك التحية لأنك قد تكون قلت شيئا سيئا عنه تم ضحدها. وهكذا علم نفسك التشكيك بأفكارك التي قد تجلب لك مشاعرا سيئة وأنت بالغنى عنها.
2. تقبل مشاعرك ولا تحاول الهرب منها.
قد تلجأ إلى تقنيات تخفيف التوتر في كل مرة تشعر فيها بالقلق. قد تأخذ نفسا عميقا. وكذلك قد تحاول الاستماع إلى محاضرة تعج بالكلام التشجيعي وقد تراسل معالجا نفسيا.
لكن كل هذه التقنيات قد تكون جميعها كالحبوب المهدئة. عليك أحيانا مواجهة مشاعرك والتحقق من أن حياتك على ما يرام. مشاعر الخوف التي تشعر بها بشكل دائم قد تكون رسالة من دماغك لأن شيئا ( علاقة، شخص …) خطيرا موجودا في حياتك وذلك يحتاج اهتمامك.
مشاعر الحزن التي تشعر بها باستمرار قد تكون مؤشرا على أنك فقدت شيئا قيّما في حياتك. مشاعر الغضب المستمر دليل على أن شيئا في حياتك ليس على ما يرام وأنه يجب عليك تعديله.
3. لا تخلف وعودك مع نفسك
إن الطريق المثلى لمقاومة الهشاشة النفسية هي بأن تحصل على تقدير عالٍ لنفسك ولقدراتك. تقترن الهشاشة النفسية مع التقدير المنخفض للذات. ومن أفضل طرق دعم ثقتك وتقديرك لذاتك احترامك للوعود التي قطعتها على نفسك.
فإذا قلت لنفسك أنك ستنهي كتابة تقرير في العمل قبل موعد الاستراحة، فقم بذلك. وإذا قلت لنفسك أنك ستنظف غرفتك، قم بذلك. وفي كل مرة تنجز فيها وعدا قطعته على نفسك عليك أن تشعر بالفخر ودع هذا الشعور يعزز ثقتك وتقديرك لذاتك.
4. لا تتبع القطيع
يغلب على المصابين بالهشاشة النفسية اتباع الأوامر والطلبات بدون إبداء أي اعتراض ذلك لأنهم لا يريدون أذية الغير. مع الأسف اتباع الأوامر دائما والاستجابة بالإيجاب لكل الطلبات لن يؤثر عليك سلبا فقط. بل وسيؤثر سلبا على علاقتك بالآخرين.
5. لا تنتقد ذاتك باستمرار
وجد الباحثون أن معظم ما يدور في داخل الشخص من منولوج (حديث النفس) يكون سلبيا بنسبة 80%. لذلك فإن الأشخاص الأقوياء نفسيا يحاولون تقليل الكلام السلبي والنقد الداخلي المستمر لذواتهم.
قد تعتقد أنك تشجع نفسك بقول الكلام السلبي لنفسك. لكن الحقيقة مغايرة تماما، إنك لا تساعد نفسك أبدا. فالدماغ يصدق الرسائل المتكررة التي تعرض عليه.
وبهذا سيصدق الدماغ أنك فاشلة في كل شيء ( كما تحدث نفسك) وستبدأ التصرف بناءا على ذلك الأساس. كوّن عادة الحديث الإيجابي مع نفسك وخصص يوميا وقتا لتشعر فيه بالامتنان لأي شيء في حياتك.
6. لا تبحث عن الدعم والتعزيز العاطفي بشكل دائم
جميعنا بحاجة للفضفضة التي تنتهي بأخذ الدعم والتعزيز من الآخرين، كلنا نمر بأيام عصيبة وظروف سيئة وسيكون من اللطيف لو تلقينا بعض الدعم المعنوي.
لكن ينساق المصابون بالهشاشة النفسية وراء احتياجاتهم الدائمة للدعم العاطفي، ويلجؤون كثيرا لسؤال الآخرين عن آرائهم في الكثير من أمور حياتهم وينسون أنه في كل مرة يلجؤون بها للفضفضة المستمرة وطلب الدعم. كذلك إنهم يضعفون تقديرهم لذواتهم ويرسلون رسالة مخفية لأنفسهم بأنهم ليسوا كفئا لحل المشاكل. حاول الاعتماد على نفسك في حل المشكلات والنزاعات دون اللجوء للفضفضة ولطلب رأي الآخرين باستمرار. تحمل مسؤولية نفسك وقرارك حتى لو أخطأت، فنحن نتعلم من أخطائنا.
7. لا تبقي نفسك مشغول دائما وواجه مشاعرك
يقوم الأقوياء نفسيا بتفريغ أوقات لهم خلال اليوم ليرتاحوا ذهنيا ويتفهموا مشاعرهم ويتقبلوا بيئتهم ثم يمضوا أقوياء. لكن يلجأ المصابون بالهشاشة النفسية إلى إبقاء أنفسهم مشغولين بشكل دائم، فلا تجد في جدول حياتهم مكانا للراحة، لأن الراحة ستذكرهم بأن عليهم مواجهة مشاعرهم وتقبلها.
وآخر شيء يريد فعله المصاب بالهشاشة النفسية هو تقبل مشاعره! إن عدم تخصيص جزء من يومك للراحة سيؤدي بالنهاية إلى مشاكل صحية خطيرة. إذا كنت تحتاج مساعدة لتخطي مشكلة الهشاشة النفسية فإننا ننصحك بالتواصل مع أخصائي نفسي، وبذلك ستستعيد حياتك مسيرتها الصحيحة .